أنسنة الإدارة الاستراتيجية

  أنسنة الإدارة الاستراتيجية

 
Humanization of strategic management

الأنسة وعلاقتها بالإدارة الاستراتيجية

يجب أن تحتل ضروريات تبني وتطبيق المفاهيم الإدارية الحديثة، مكانتها التي تستحقها بقدر أهمية مفردة النسئة في حياتنا، ودورها في كل الحالات التي ننشدها ونسعى إليها صاغرين، مندفعين، مهمومين، إلى تحقيقها والاستمتاع بها.


من أهم المفاهيم والمصطلحات المستحدثة هذه الأيام، أنسنة الإدارة الاستراتيجية، وتعني الدوافع التي تؤدي إلى تحقيق الأهداف والغايات والآمال التي نضعها لأنفسنا أو نصيغها في صورة بنود وعقود لأهداف رؤيتنا الذاتية أو رؤى خطتنا الاستراتيجية وثقافتنا المؤسسية لمؤسساتنا العامة وشركاتنا الخاصة.

أنسنة الإدارة الاستراتيجية Humanization of strategic management

إذا بحثنا عن عناصر الإدارة الاستراتيجية الحديثة، سنجد أن الأنسنة وليدة عصر الحكمة(Wisdom) ، وبأنها تتفق وخصائص ومتطلبات هذا العصر، الذي نحيى فيه ونعيش معالمه الآن، مُنبهرين بما وصلت إليه التقنيات التكنولوجية والعلوم المتنوعة إلى أبعاد لم نألفها من قبل، تتقدم في تسارع زماني أصبح يقاس بوحدات الفيمتو ثانية.

إلى أن فرضت الأنسنة حضورها بشكل ملموس، بل وباتت تُشكل خطراً على الجميع، أفراداً وجماعات، طالما نادي علماء الأمس وخبرائه وفلاسفته إلى ضرورة تعزيز قيم الحرية والعدالة والكرامة حال إنتاج المعرفة (Knowledge production)، أو معالجتها وتداولها والاستفادة منها في التقنيات الحديثة.

محزرين من هذا العصر، كما درج علماء الإدارة من الإشارة إليه بمعالم وخصائص مفهوم "الأنسنة الإدارية" الحديثة، والدفع بإعمال العقل في أمورنا الحياتية حتى لا تستحوذ الآلة على كامل مقدراتنا. 

أهمية الأنسنة في الإدارة الحديثة


تأتي أهمية "الأنسنة" في الإدارة الحديثة وضرورة تناغمها وانسجامها مع متطلبات النمو والتطور في كافة المجتمعات البشرية المعاصرة، لإدارتها وفق مفاهيم ونظم التجديد وعمليات التغيير المرتبطة بالحراك الإدراكي المعرفي في أسمي صوره.


خاصة تجاه نظم الحوكمة المؤسسية والإدارة الرشيدة عند إنتاج المنتجات وتقديم الخدمات وعرض الحلول المؤسسية الذكية للأفراد والمؤسسات في مجتمع المدن الحضرية المعاصرة، لتمثل مفاهيم "الحكمة" و "الحوكمة المؤسسية"... امتداداً طبيعياً لمتطلبات الحياة ومعالم التطور وتعاقبها وتداعياتها العديدة، حيث تركزت صور الأنسنة حول الخصائص الحياتية في العصور الماضية منذ بداية الخلق: -

  • العصر الأول: عصر الرعي والصيد.
  • العصر الثاني: عصر الزراعة.
  • العصر الثالث: عصر الصناعة والانتاج.
  • العصر الرابع: عصر التقانة المعلوماتية والاتصالات.

حيث يُعد عصرنا الحالي الذي مازال نعيش بعض مظاهره وبداية فلول بعض خصائصه التقليدية من مشهد الحياة، إلا أنه جاء نتاجاً للثورة الصناعية الرابعة التي واكبتها التقنيات التكنولوجية، ليظهر عصراً حديثاً، لم نكن نتوقعه قريباً، إلا أنه يثشير في معالمه إلى خصائص ثورة صناعة خامسة.


وفي ذلك نُقر، بأنه عصر مُتعاقب، يعقبه غيره، كتطور طبيعي لما أراده الله تعالى وخلق وأبدع سبحانه لمخلوقاته وللوجود الكوني، وهو عصر يمكن الإشارة إليه مقروناً بــ "عصر الحكمة" الجديد. بكل تحدياته، وتجلياته، وتعاظم دور التقنيات الذكية التي تتميز بمختلف مسمياتها وآلياتها وصورها العديدة.

 

أما آن لنا التمسك بأهم معالم هذا العصر، الحكمة التي تأتي الأنسنة مرادفة لها؛ قبل أن نتوه في دهاليزه وتعجننا استهلاك آلاته ومعالمه التقنية وتلفظنا بالتالي في مكبات العصر كنفايات إلكترونية، وتأسرنا بمظاهره الكاذبة، علينا الإدراك السليم بخصائص هذا العصر ومواكبة تحدياته بقدر إيماننا واستسلامنا بمراد الله تعالى في خلقه، وما هي في الحقيقة إلا تحديات لأمثلة عديدة من حولنا، يعتقدها البعض فاعلة ومؤثرة في حياتنا وفي مجتمعاتنا والبيئة التي نعيش فيها من حولنا ...حتى يدركها الجميع ويعمل على معالجتها والحد من مخاطرها العديدة.

 

ما هو أنسنة الإدارة الاستراتيجية؟

رغم ما تقدم عن مفهومي النسئة والأنسنة، إلا أنني أخشى أن لا يتفق هذا العصر في بعض خصائصه مع أيديولوجياتنا العقائدية السائدة حالياً، أو لما يتميز به هذا العصر من حداثة وتطور في رؤيتنا للإنسانية، وأن لا يؤثر من واقع متطلباتنا الحياتية، أي علينا مواكبة هذا العصر بتبني وتطبيق أحدث الأنظمة الإدارية التي تعمل على تعزيز الفرد وتحافظ على قيمه وعاداته وإنسانيته، وهو ما تم الإشارة إليه بـ "أنسنة الإدارة" أو الأنسنة الإدارية للمؤسسات (Humanization administrative of enterprises).

والمقصود من هذا التعبير أو المفهوم هو إعادة النظر في رؤيتنا تجاه العمل والأنظمة التي نعمل بها ونتداولها لتنفيذ جميع عملياتنا التنظيمية والوظيفية، حيث يجب دراسة مدى تأثيرها في حياة الفرد والمجتمع مع ضرورة تعزيز دور الإنسان وتعظيم مكانته ومسؤولياته العديدة لكل دور (حياتي-اجتماعي-اقتصادي...) ضمن منظومة تتطلب وضع الرؤية الكلية في إطارها الإنساني وتوجيهها في الأساس لصالح الفرد والمجتمع ضمن القدرات المادية المتاحة لوحدات وقطاعات العمل المختلفة بالمؤسسات والشركات. 

أنسنة الإدارة الاستراتيجية Humanization of strategic management


يقودنا ما تقدم، إلى ضرورة أن يتمتع كل فرد بمسايرة مناهج التعامل مع المستقبل، والإدراك دون الخضوع التام على مواكبة العالم من حوله، أي الاهتمام والالتزام بالتخطيط الاستراتيجي، لتبني وتطبيق أدوات وآليات الإدارة الاستراتيجية بشكل استباقي، ومن ثم التكيّفُ مع جميع أنماط ومتطلبات الحياة، وعدم القصور تجاه مواجهة المشاكل التي تهدد المتغيرات ومعالجتها.

  

هذا الإنسان الذي كرمه الله تعالى وأثنى عليه في محكم تنزيله...ليشكل طرفاً محورياً متوازناً له ما له من منافع وحقوق وعليه ما عليه من واجبات وقدرات يقدمها طائعاً لمنظومة الإدارة الرشيدة، على أن يتم تحقيق مفاهيم الحوكمة المؤسسية بالموازنة بين الحقوق والواجبات، ومتطلبات تقديم الخدمات المؤسسية الذكية في أبهى صورها في ظل تحدياتها المتطورة.

 

علاقة الأنسنة بإدارة المعرفة

وهكذا فإن دعوتنا هذه جاءت على نفس النسق المعرفي الذي واكب طريقة التفكير التي غيرت البشرية منذ بدايات نشأة الإنسان وتطوره من مرحلة إلى أخرى...كتطور خصائص إدارة المعرفة (Knowledge Management) ، ولكن في هذه الحالة من عصر إلى عصر آخر...عصور أولية أكتفت بالقدرة على الرعي والصيد وعندما شعرت بفشلها وتخلفها سعت إلى تعزيز قدراتها بالزراعة والفلاحة، لتعقبها عصور تميزت بنمو متطلبات الحياة وضرورة تطوير ممكناتها ... ليأتي لاحقاً، عصراً رابعاً تميز بالقدرة على كيفية الربط بين المتناقضات الحياتية والمعالجة فيما بين احتياجاته وموارده  الطبيعية والإنتاجية أو الصناعية المتاحة .

 

أي أن ظهور هذا العصر الحديث حتى الآن والمقترن بالقدرة على الملاءمة بين الحقوق والواجبات واتخاذ القرارات يجب أن يأتي بناءً على تحقيق متطلبات "الأنسنة الإدارية"، وطالما استوعبت المجتمعات لكيفية تصعيد متطلباتها وتعزيزها كما تم ترجمتها في هيكلية الهرم المعرفي، حتى أتت على سنام قمته "الحكمة "Wisdom" الملائمة لمنظومة الحوكمة المؤسسية (الحوكمانية) في الإدارة الرشيدة.


يقودنا ما تقدم أن "الأنسنة المؤسسية" تعني ضرورة الموازنة العادلة بين الحقوق والواجبات بين الموارد البشرية العاملة بالمؤسسات العامة والشركات الخاصة من جهة، ومن الجهة الأخرى بينهم وبين المؤسسة نفسها وباقي أصحاب المصلحة المعنيون بها، والعملاء والنظام البيئي المجتمعي المحيط بالمؤسسة. الغاية منها وجود قيم فردية ومؤسسية راسخة تحقق بها البيئة المؤسسية كما سبق توضيحه في المقال؛ وهو تحقيق أعلى مستويات نضجها الإداري عند إدارة التحديات والمعوقات التي تعترض كل من الأداء الفردي وأداء أنشطة العمليات الإدارية بالمؤسسة، واللتان تشكلان معاً، الحد الأدنى الحرج لتحقيق مؤشرات السعادة ومتطلبات البقاء والريادة محلياً وتنافسها وريادتها في المحيطين (الاقليمي، والعالمي).

 

الخلاصة

في الختام، يسعدني التنويه إلى أن ((الدكتور مصطفى سعد الدين حجازي :  الأكاديمي والمفكر مصري،  والخبير في مجال التطوير المؤسسي والتخطيط الاستراتيجي والحوكمة المؤسسية، هو أول من أسس مصطلح "أنسنة الإدارة" في العالم أجمع، باعتبار أن "الأنسنة" هي ممارسات المرحلة التي تسبق عادة وضع الرؤية الكلية للمؤسسات والمنظمات العامة والخاصة، بهذا أصبحت ضرورة من ضروريات إدارة الموارد البشرية بالكيانات المؤسسية، وهو أيضاً أول من أصّل معنى "أنسنة الإدارة" في الثقافة المؤسسية للشركات في منطقة الشرق الأوسط، باعتبار الفرد الركيزة الأساسية للمجتمع، فكان لنا نصيب من فكره  ومعين في إعداد هذا المقال الذي تناولنا فيه مفهوم "الأنسنة الإدارية" بتصرف مُقيد)).

إعداد م. خالد موسى إدريس. دبي في 24 يوليو 2023

Khalid Moussa idris

مقالات ومحاضرات ودورات وورش عمل. م. خالد إدريس: تعزيز المحتوى العربي في مجال التقانة المعلوماتية، أفضل الممارسات العامة، المدن الذكية، استشراف المستقبل، التحول الرقمي، سلسلة الكُتل، ريادة المشاريع، مؤشرات التنافسية العالمية، مكتبة البنية التحتية، وعالم الميتافيرس..

إرسال تعليق

يمكنك التعليق على المحتوى وإبداء رأيك بكل صراحة، ومشاركة مواضيع المدونة مع الآخرين، دعونا نشجع شبابنا على الابتكار والإبداع في حياتهم العملية.

أحدث أقدم

فرصة لا تُعوض

نموذج الاتصال